27 - 09 - 2024

محاولة للفهم| لماذا يتحول الحوار حول تعديل الدستور إلى صراع؟

محاولة للفهم| لماذا يتحول الحوار حول تعديل الدستور إلى صراع؟

من أهم أسباب إنهيار البلاد والأوطان، بل الحضارات والعلاقات حتى بين الدول، تحويل الحوار والنقاش والنقد البناء إلى صراعات ومعارك، وسط دائرة ماكرة من الجدل البيزنطى، حيث يضيع فيها المنطق أحيانا ويعلو صوت العبث، لا زلت أتذكر الرئيس السوفياتى وهو يهدد بالحذاء فى الأمم المتحدة. وهذه الممارسات قد تؤدى بذلك الى مزيد من الهدم والتدمير، وقد يؤدى هذا الشر أحيانا إلى الهلاك، ونشر التخلف والارهاب والفساد والفتن أو ضعف القدرة على الخروج منها حتى مع حسن النية. أو تكريس الاستبداد كما حدث فى تعديل الدستور أخر أيام مبارك.  وهكذا تتجه المحاولات الى تكريس الأخطاء وزيادة التحديات، وليس لحل المشكلات وطرح الحلول المفيدة لبناء البلاد والأوطان .

أقول هذا، بمناسبة معركة الدستور فى مصر التى يستخدمها بعضهم لمصالح ضيقة، كما أرى حاليا.  

أنا لست ضد السيسى شخصيا، عندما أقول اليوم إننى ضد تعديل الدستور وعندى مبرراتى لذلك، لأن التعديلات المطروحة كما يبدو لى، تفصل على مقاس السيسى رغبة فى بقائه دستوريا فى الحكم. ولم أكن يوما ما ضد مبارك، ولا غيرهم من الرؤساء وحتى الملوك الذين حكموا مصر أو يحكمون بلادا أخرى حتى اليوم، ولكننى ضد العبث والمظالم والفساد والاستبداد والتخلف والتراجع،جاء من أى مصدر وتحت أى حكم ملكى أو جمهورى، مدنى أو عسكرى أو علمانى أو اسلامى. إنما وقفنا ضد الفساد فى عهد مبارك والتخلف، وحذرنا من تدخل المجلس العسكرى فى السياسة بعد الثورة، ثورة ٢٥ يناير المجيدة، وقت أن ترك الاخوان الميدان الى السياسة قبل تمكن الثورة، ثم نصحت الاخوان أنا وغيرى، فلم يستمعوا للنصائح، أو كانت لهم رؤيتهم، ومن ثم جاءت ثورة 30 يونيو التى يراها معظم الاسلاميين المعارضين إنقلابا. وهكذا البشر: ينسى ما قدمت يداه بمرور الوقت. ياحسرة على العباد سابقاً ولاحقاً.  

واستقبل الشعب المصرى السيسى بإستبشار كزعيم كما رأيت،وشاهدت، طمعا فى أن يحقق أهداف الثورة التى تكلم عنها فى البدايات كلاما عظيما. وللأسف بعض من هللوا لثورة يناير وحتى ليونيو، يقفون ضد أهداف هاتين الثورتين اليوم ناهيك عمن يرى ان يونيو كانت انقلابا.

الحديث هنا عن السياسة وكيف تخرج مصر من التحديات بهذا الدستور أو بغيره أو حتى بدون دستور مكتوب كما فى بريطانيا. ولكن السيسى نفسه قال أكثر من مرة: "أنا لست سياسيا"، ومصر تحتاج – كما أرى – إلى سياسى  محترم على رأس الدولة، إلا إذا كان المطالبون بتعديل الدستور على مقاس السيسى، مقتنعون بأنه رغم هذا التصريح يمكن أن يقود مصر إلى النهضة واستعادة مكانتها بين الأمم.

وأنا أيضا أتساءل ماذا يبقى بعد ثمانية أعوام فى الحكم ليقدم الانسان؟ ماذا يمكن أن يقدم البشير فى السودان بعد ثلاثين سنة فى الحكم؟ وماذا قدم مبارك خلال ثلاثين سنة أو القذافى بعد أربعين سنة  أو صدام؟ صحيح من جاء بعدهم كان أسوأ، فى بعض الأوقات والحالات، لأننا لم نبحث عن البديل المناسب. وبسبب المتربصين فى الداخل والخارج. ولكن الشعوب مليئة بالكفاءات من المدنيين والعسكريين، كل فى مجال عمله واختصاصه دون عدوان.  

وأقول هنا كما قال بعض الحكماء : من عمل فى غير علم، كان ما يفسد أكبر مما يصلح. وقد عانت مصر من ذلك الخلل كثيرا وعلى مر الحكومات والحكام من ملكية الى جمهورية بدرجات متفاوتة. ولعلنا نعتبر ونتعلم من الدروس الكثيرة التى مرت بِنَا أو بغيرنا. أقول هذا الكلام بمناسبة المعركة الدائرة عن الدستور فى مصر اليوم. وخصوصا مقال الاستاذة سوزان حرفى والرد الذى جاء بانفعال واضح من الاستاذ الجليل مختار نوح. وهذا يتطلب مقالا مستقلا فى الأيام القادمة إن شاء الله تًعالى.

وأخيرا أقول:  لو أن كل رئيس جاء لحكم مصر هو ومن يعملون معه، قاموا بتعديل الدستور ليكون على مقاسه ، أو كما يظن، فأين الدولة ؟ وأين الوطن ؟ وأين الشعب؟. هل تعيش الشعوب بالاستفتاء على متناقضات وكل من يكون فى الحكم يزعم أنه حصل على رأى الشعب فى استفتاء نزيه؟ كما تقول الاستاذة حرفى.

أقول عن حضور وشهود، أن الدستور الذى شاركت فى إعداده بإخلاص كما شارك غيرى من الأساتذة الكرام قد جاء فعلا بحسن نية، لان الدساتير التى تبنى على غير حسن نية تكون دساتيراً لممارسات شريرة. وقد شارك فى هذا الدستور العظيم الدكتور العالمى مجدى يعقوب، والدكتور الموهوب محمد غنيم، والدكتور خيرى عبد الدايم، والدكتور عبد الجليل مصطفى، والأستاذ سامح عاشور نقيب المحامين، والدكتور جابر نصار، والدكتورة منى ذو الفقار، والأستاذ عمرو الشوبكي، واللواء الدكتور على عبد المولى، واللواء مجد الدين بركات وغيرهم من الشخصيات التى ترغب فى تقدم مصر ونهضتها، فضلا عن رئيس اللجنة الاستاذ عمرو موسى.

وكان أمام اللجنة المشروع الذى وضعته لجنة العشرة للاسترشاد به، وكلهم من كبار المستشارين الذين شاركوا فى صياغة الدستور الجديد أو المعدل صياغة نهائية دستورية عالية مع بعض العلماء من أعضاء المجمع اللغوي بالقاهرة. فضلا عن العمل المتواصل تطوعا حتى إنهاء الدستور. واليوم يأتى من يريد التطوير والتعديل، لا بأس ولكن يجب أن يكون للأحسن وبدون تفصيل لأننا لسنا خالدون. أمريكا عدلت والتعديلات أصبحت جزءاً مهما من الدستور، ولكن كانت التعديلات للأحسن. ولصالح المزيد من الحريات حيث أن نقصها من أهم آفات السياسات فى العالم العربى.  "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ". وبالله التوفيق
------------------
بقلم: د.كمال الهلباوى*
* عضو لجنة الخمسين

مقالات اخرى للكاتب

محاولة للفهم| الدستور بين التهويل والتبعيض